أخبار وتقارير

البروفسور الأمريكي ستيفن داي: ستتعرض اليمن للانقسام إذا ما عادت الى النظام السابق

يمنات – الشارع
في كتابه «المناطقية والثورة في اليمن» قال البروفسور الأمريكي ستيفن داي إن اليمن حالة فريدة بين دول ما تسمي الربيع العربي؛ فاليمن عانت منذ سنوات نتيجة حركات تمرد ومشاكل تهدد استقرارها, وهو ما جعل سقوط علي صالح في اليمن غير مفاجئ بالنسبة لسقوط, مبارك في مصر وبن علي في تونس, وحتى القذافي في ليبيا. وبحسب داي, فكثير من المحللين المتطرفين توقع أن يحدث في اليمن كما في الصومال.
كان البروفسور داي ينتظرني في خيمة الفندق, وتحركنا لنجلس في قاعة المطعم.
كانت الساعة التاسعة مساءً, وبدأ يجيب بهدوء وإيقاع بطيء, مراعياً ضعف إنجليزيتي, لكنه كان عليه أن يذهب باكراً للفراش؛ حيث ستبدأ رحلته من صنعاء الى الولايات المتحدة, عبر محطة أخرى, عند الصباح الباكر. وبينما كنا نسير وسط طاولات المطعم المحاطة بالمقاعد, بعد أن أنهينا حديثنا, سألته عن توقعه بالنسبة لليمن: هل ما زالت احتمالات الصوملة ماثلة. ففي الندوة, التي حضرتها والتقيته فيها, كان هناك أشخاص من مناطق مختلفة, حتى شمالية, يرفعون أصواتاً مناطقية.
وكان ستيفن يرى بأن الفيدرالية حلاً مناسباً للوضع اليمني, ويمكن تصميم شكل يراعي ظروفها وخصوصيتها, لكن ما هو هذا الشكل.
استبعد ستيفن أن تذهب اليمن الى الوضع الصومالي وحدوث حرب أهلية. ربما كان مقتنعاً بأن اليمنيين سيخرجون بحلول من طاولة الحوار الوطني.
كنت التقيته في بدايات شهر يونيه, وفي وقت ما زالت التساؤلات حول جدوى الفيدرالية في إنقاذ اليمن, أو الشكل الأمثل لبناء النظام السياسي الجديد, في ظروف عاصفة تمر بها البلاد.
وستيفن داي يعمل منذ 2007م بروفسور مساعداً في كلية “رولينز” الواقعة في ولاية فلوريدا الأمريكية, ومتخصصاً في شؤون الشرق الأوسط. كما أنه بروفسور زائر في جامعة «ستيستون» في العلوم السياسية, وهو كمعلم جامعي, بدأ التدريس منذ عام 1984م, وتنقل بين عدد من أهم الجامعات الأمريكية متخصصاً في العوم السياسية وشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن بين الجامعات التي سبق ودرس بها «جورج تاون» في واشنطن حتى 2001م.
صدر للبروفسور عدد من الكتب بالإنجليزية, آخرها «المناطقية والثورة في اليمن» 2012م, والذي صدر عن جامعة كيمبردج البريطانية للنشر, وكتاب “التحديات السياسية للحراك اليمني الجنوبي” 2010م, وكتاب “اليمن في الهاوية” 2008م, والذي أشار فيه الى ثلاث جماعات معارضة تهدد الاستقرار في اليمن “القاعدة” والحوثيون والحراك الجنوبي.
وتساءل في إحدى مقالاته إن كان بإمكان اليمن أن تكون أمة موحدة, نشرتها له مجل ال”فورين بوليسي” في مارس الفائت. وعمل ستيفن داي في إنتاج أفلام وثائقية, مثل «رحلة عبر اليمن, الأرض القديمة لملكة سبأ» وكان هو المنتج والمحرر وكذلك المخرج.
كما أنتج «حرب العراق: المسببات والنتائج» وهو فيلم وثائقي بالعربية عن حوب الخليج 91. وقد تم عرضه على شاشة «mbc» في عام 1997م.
عند الأسئلة الأخيرة, أشار البروفسور ستيفن داي بأنه يتوجب عليه أن يكون في المطار صباحاً, كانت الساعة العاشرة مساءً, يعتقد داي أن الفيدرالية حل مثالي للوضع اليمني. وقال إنها تقلص النزاع حول السلطة المركزية, كما قلل من مخاطر التشظي.
لكن لماذا لن تكون هناك صوملة, ولماذا يمكن للفيدرالية أن تكون حلاً؟ يتحدث البروفسور الأمريكي بنظرة باحث غربي إلى اليمن.
حوار: جمال حسن
تحدثتم, في محاضرة لكم بصنعاء, أن الفيدرالية ستحمي اليمن من الانقسامات.. البعض هنا لديه مخاوف من أن الفيدرالية يمكنها دفع الانقسامات بصورة أكبر.. كيف تفسرون ذلك؟
نعم, هناك شيئان من المهم معرفتهما: الفيدرالية تعني عدة جوانب مختلفة. اعتماداً على وضع البلد, وفي بعض الحالات, الفيدرالية في أمريكا مثلاً: تعني تعزيز الحكومة المركزية من أجل المساعدة على تجاوز مسببات التقسيم.
في بلدان أخرى, يمكن الحديث عن فيدراليات نامية, مثل الجارة كندا, وبعض دول أفريقيا وآسيا التي تستخدم الفيدرالية. فقد تم صياغتها لغرض لا مركزية السلطة وإعطاء دور أكبر تلعبه المجموعات الإقليمية.
في حالة اليمن, للفيدرالية معان أقل شمولية, لكن مخرجات أي نظام فيدرالي تعتمد على مدى سلامة القوانين, وكيفية هيكلة السلطة, والفرق بين ما هو مركزي وما هو محلي, أو كيفية تعريف ما المركزي و ما المحلي, وهناك في النظام الفيدرالي طرق سهلة لتكييف القوانين وهيكلة العلاقة بين المركزي والمحلي, لذا لا خطورة من زيادة التقسيم.
وتخفف الفيدرالية حنق المجموعات المحلية والإقليمية ضد الحكومة المركزية؛ فهي تمنحهم بعض السلطة والتأثير, ما يعطي شعوراً لسكان الأقاليم بأن هناك شيئاً يحصلون عليه.
أما بقية السلطة والموارد مركزية فيعطى سبباً لشكوى سكان الأقاليم. وإذا تركت قدراً من السلطة والموارد للأقاليم فإن السكان هناك سيشعرون, حتى في حالة خسارتهم انتخابات (يقصد على المستوى الوطني), بأنهم يحتفظون بشيء من السلطة والموارد على المستوى المحلي, لذا تهدف الفيدرالية الى تقليص مفهوم النزاع والتنافس على الحكومة المركزية.
في اليمن, تسمع شكاوى حول استحواذ صنعاء على كافة السلطات والموارد, وانتشار الفساد؛ فيما سكان الأقاليم يشعرون أن لا شيء يحصلون عليه. فالفيدرالية تهدف الى إيجاد التوازن بين المحلي والإقليمي والمركزي.
الشيء الآخر في اليمن, في حال وجدت جمهورية فيدرالية, ستستفيد المحافظات التي تمتلك موارد اقتصادية وتصبح ثرية, بينما ستعاني المحافظات الأخرى التي بلا موارد, وتصبح فقيرة. وهي نفس المشكلة بين الأقاليم الغنية والفقيرة في الدول التي تستخدم الفيدرالية. والحل أن هناك وطناً واحداً, وللحفاظ على مفهوم الوحدة بين سكان كافة الأقاليم, ستنفق على نسبة “انعدام الثروات” لا تتجاوز 20% أو 40% ويمكن تغيير النسبة, تعطي فيها الأقاليم الغنية نسبة من مواردها للأفقر. وإذا ما أصبحت حضرموت أكثر غنى بسبب النفط, فستكون, مثلا, أغنى من صنعاء بنسبة 50% وسيصبح عليها إعطاء موارد أكثر للأقاليم الفقيرة في اليمن.
وهذا مجرد مثال, حيث يمكن تغيير القواعد للحصول على نظام التوازن, لكن لماذا في اليمن وفي أي بلد لديه نفس المشاكل؟ السبب أن تعطي حضرموت حق التحكم في النفط, وأن تحصل عدن على منطقة حرة لتنمو. لأنه عند انتزاع هذه السلطات منهم فإنك تجعل النظام الاقتصادي غير كفء.
من غير المجدي اقتصاديا تركيز كافة السلطات؛ فذلك أسلوب تتبعه الأنظمة الاستبدادية, لكن المجدي اقتصاديا هو أن تترك لتلك المدن حق تنمية مواردها وإداراتها. وبالتالي فإنهما ستنموان اقتصاديا. ولكن في البداية لن تكونا مثل أبو ظبي, وهذا ليس بالأمر السيئ, ففي اليمن تود أن ترى ذلك النوع من التقدم, لكن إذا أصبح النمو مفرطاً, فإن الناس في حضرموت سيدركون أنه لمصلحة أقاليم اليمن والفقراء, فإنهم سيدفعون حكومة الإقليم المحلية بالتخلي عن بعض الموارد.
ثمة إشكالية تتعلق بضعف الحكومة المركزية.. كيف تستطيع بناء نظام فيدرالي في اليمن جون حدوث تشظ وتفتت؟ إضافة الى عقلية الناس المناطقية..؟
حسناً, أن لا أعتقد ذلك, عذرا هناك مسألتان؛ ضعف الحكومة, وعقلية الناس, بالنسبة للمسألة الثانية, انظر, فأنا معلم أحاول تعليم الآخرين مسألتين, أي شخص يدرس السياسة والنظام السياسي سيخبرك أن كل المجتمعات المنتقلة من نظام حكم الى آخر يبدؤون مراحل التعلم باكتساب الخبرة. وفيما يتعلق بكيفية صياغة الدستور وتحديد أقاليم البلاد, فأنا مع تمديد الفترة الانتقالية, ولم أكن مع صياغة الدستور بشكل فوري وإجراء انتخابات في غضون شهرين أو ثلاثة بعد حكم علي صالح, أعتقد أن ذلك كان سيكون خطأ. فاليمن تعلمت من انتخابات 1993م والحرب الأهلية 1994م, بأن عليها التمهل وعدم التسرع.
كانت إشكالية وحدة 1990م في تسرعها وعدم التفكير في الصيغة الأفضل للوحدة, ولحل المشاكل القائمة, فإن الجانب الآخر للتعلم هو العودة للوراء ومعرفة أسباب الإخفاق, ولا يأتي التطور دفعة واحدة, إنما خلال سنوات, ثم يتم تبني دستور وإجراء انتخابات على أساس النظام الفيدرالي, والمسألة الأخرى, وهي الضعف, فمواطن الضعف في صنعاء تنتقل الى حضرموت, ومنها الى عدن, وهكذا, ويمكن القول أن الضعف في صنعاء بعد الديكتاتورية سيتفاقم.
اعتقد أن السماح لحضرموت وعدن وتعز وتهامة بأن يكون لها صلاحية التحكم في إيرادات وموارد أقاليمهم.. ذلك سيجعلها أقوى وأفضل بالنسبة لأقاليم اليمن الأخرى, فالأفضل أن تكون المكلا ووداي حضرموت نموذجا للنجاح, وكذلك ستحذو صنعاء وتهامة حذو حضرموت. وعدن كذلك, إذا ما أعطيت استقلالية, ستبدأ بالنمو وسيصبح لها نشاط اقتصادي أكبر يجعلها نموذجاً للنجاح, فمنذ 1990, يظهر جليا أن صنعاء نمت ربما بمقدار ثلاثة أضعاف لأن كافة موارد البلاد تتدفق إليها, فأصبح سكان المحافظات الأخرى يتذمرون, لأن عليهم الذهاب الى صنعاء من أجل إجراء معاملاتهم, لابد من وجود توازن, وإعطاء بقية المحافظات فرصة لتنمو, ليس هناك خطر انتقال نقاط الضعف, الموجود في صنعاء, الى بقية المحافظات, وأعتقد أن هذه المحافظات ستكون ناجحة نماذج للنجاح.
دعني اسألك ما أسميتها نظرية عن اليمن.. أنت اقترحت, في كتابك, «المناطقية والثورة في اليمن» نظرية تقول إنه يمكن استيعاب السكان بصورة أفضل من خلال تلك الأقاليم السبعة, والتي من وجهة نظرك هي تقسيمات حاضرة في التاريخ اليمني منذ مئات السنين, إن لم تكن آلاف السنوات.. البعض تخفية تلك الإشارات, بمعنى أن هناك تأكيداً لاستعادة الانقسامات السياسية؟
دعني أجبك, منذ مجيئي اليمن لا حظت انطباع الناس عن الفيدرالية باعتبارها فكرة أجنبية, وعلى العكس؛ إذا راجعت تاريخ اليمن, ستجد أنه, منذ ثلاثة آلاف سنة, من النادر سيطرة قوة معينة على حكم كافة أرجاء البلاد.
ما هو جديد في القرن العشرين حي فكرتا الماركسية (من الاتحاد السوفييتي) والناصرية (من جمال عبد الناصر في مصر) والاعتقاد السائد بأنه لا بد من وجود قيادة قوية تسير أمور البلاد, وتلك الأفكار الأجنبية (الماركسية والناصرية) تتعارض مع التاريخ اليمني منذ ثلاث آلاف سنة.
وإذا ما عاد اليمنيون الى تاريخهم, فلن يكونوا بحاجة إلى استقاء أفكار أجنبية, وأنا أقول لليمنيين إنكم لستم بحاجة لشخص أجنبي يأتي ويخبركم عن الفيدرالية, بل عليكم العودة الى تاريخكم.
عليكم الإدراك أن إحدى المشاكل في اليمن, كما منطقة الشمال, حيث ينتشر الحوثيون, ومنطقة حضرموت, حيث الهوية أقوى, نظرا للموروث الثقافي هناك, وهو ما يجعل حضرموت مميزة, وكذلك تعز, وحتى المهرة فلديهم لغة مختلفة تماما عن العربية, ربما تكون هي اللغة اليمنية الجنوبية القديمة.
وبالتالي فعلى اليمنيين النظر الى هويتهم وتوحيدها وعليهم إرساء فيدرالية يمنية وليست أمريكية أو هندية أو أي فيدرالية أخرى.
كما أن إحدى مشاكل اليمن (تتمثل في) الانتقادات المتبادلة بين الشماليين والجنوبيين؛ تبادل التهم بالانفصالية, والخيانة, ومعاداة الوحدة.
توفقوا عن ذلك؛ لا تقل إن ذلك الشخص يناهض الوحدة؛ لكنها طريقته في النظر للوحدة, عليكم الاستماع لبعضكم ووضح الاقتراحات والحلول الممكنة من أجل التعافي, أنا لا أعتقد أنه يمكن لأجنبي أن يأتي ويقول لليمنيين ماذا عليهم أن يفعلوا.
في نظري, لعي جمال بن عمر دورا إيجابيا, وعليه الاستمرار؛ فقد أثبت مقدرة كبيرة في تقريب وجهات النظر, لكن أكثر من أي شيء آخر؛ أنتم اليمنيون بحاجة لسماع بعضكم الآخر. توقفوا عن نقد بعضكم, واستندوا الى تجاربكم الماضية.
لكن ماذا حول الأقاليم السبعة, التي أشرت إليها في كتابك؟
بالنسبة لكتابي, فقد مكتبته لأغراض أكاديمية, ولا يتعين عليه تقديم حلول ما يجب ان يكون عليه الفيدرالية.
وحين تحدثت أن هناك سبعة أقاليم, لم أكن أعني في الواقع أن تكون هناك سبعة أقاليم في نظام فيدرالي, قلت إنه من أجل فهم اليمن, قبل وبعد الوحدة, ومن أجل فهم الأسباب التي كادت تعصف بالوحدة في 1994م, وفهم أسباب اندلاع التمرد الحوثي والحراك الجنوبي, فإن القارئ لكتابي لا بد له من إدراك أن الهويات السبع في اليمن ذات علاقة بالنظرية السياسية, وليس لحل السياسي.
وفي نهاية كتابي, (نشرته في نوفمبر 2011) قلت إنه لابد من أن يكون هناك نوع من الفيدرالية كجزء الإيضاح حتى لا يُقال إن الدكتور (ستيفن داي) قال ذلك.
وكما قلت في كتابي, في هذه الأقاليم السبعة, ليست بالضرورة لديها نس القوة, فالهوية الحضرمية هي الأقوى, بينما تضعف الهوية في بقية الأقاليم, لأنها ذان علاقة سياسية وليست ذات موروث ثقافي, وعلى سبيل المثال, أخذت, مثالاً لمحافطتي أبين وشبوة كإقليم, باعتباره ذا مدلول سياسي يرتبط بفترة حكم الحزب الاشتراكي, والسبب على علاقة بأحداث يناير, والحرب الأهلية في عدن, حيق قتل العديد من هاتين المحافظتين إضافة الى مغادرة بعضهم للجنوب. وفي أثناء الأزمة التي أعقبت الوحدة, اعتمد علي صالح على أبناء هاتين المحافظتين. كذلك الرئيس الحالي, عبد ربه منصور هادي, ينتمي لهذه المنطقة. وبالتالي فهما مرتبطان سياسيا, وفيهما العديد من المجموعات القبلية, لكن ليست لديهما نفس الهوية الثقافية الموجودة في حضرموت, حتى في كتابي هناك الكثير من المشاكل بالنسبة لتعيين الأقاليم.
”هل بإمكان اليمن أن تكون أمة موحدة”, هذه مقالة لك نشرتها ال”فورين بوليسي” في 14 مارس 2013م, نريد التحدث حول بعض المخاطر من تحفيز الهويات.. برأيك, كيف يمكن أن تكون اليمن أمة؟
مرة أخرى, من وجهة نظري أن اليمن ستتعرض للانقسام إذا ما عادت الى النظام السابق, ينبع التخويف من أنه إذا ما أعطيت حضرموت استقلالية كإقليم, فإن هويتها ستصبح أقوى وأقوى, وربما تنقلب على صنعاء, هذا هو منبع التخوف.
ألا يحتاج اليمن لتقويض الهويات الصغيرة, التي تتنامى, حتى يكون أمة؟
حيت تتم تقويض الهويات عبر الحكومة المركزية, ويتم الاستحواذ على كل موارد هذه الأقاليم, فهذا يجعل سكان الأقاليم يتمسكون بهويتهم أكثر من ذي قبل, وعندما تحصل الأقاليم على مواردها بنسبة 100% فإن إقليما مثل حضرموت سينشق ويكون دولته المستقلة. لكن عليك أن تبني نظاماً يجعل أبناء الأقاليم يشعرون بضرورة دعم ومؤازرة الدولة اليمنية بأكملها. فمن مقومات نجاح النظام الفيدرالي خلق الإحساس بالفخر لدى الناس, وفي نفس الوقت جعلهم يستشعرون مسؤوليتهم تجاه البلد بأكمله, حتى تنجح كل الأقاليم الاخرى, وليس من أجل انقسامه. ذلك يأتي بتغيير القواعد والعلاقات بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية, وأنا أتفق مع من يقول بأنه من الفشل إعطاء الصلاحيات للشعب.
وإن كان معظم أبناء الجنوب ينادون بالانفصال فذلك من قناعتهم بفشل الوحدة وأن الأفضل الانفصال بدولتهم.
أنا أتفهم كلياً بوجود الكثير من المخاطر؛ لكني أقول مرة أخرى بأن الغرض من النظام الفيدرالي لا يفضي الى فشل الوحدة, ونفس الشيء بالنسبة لأي نظام فيدرالي في العالم.
ليس ثمة بلد, يستخدم النظام الفيدرالي, لديه نفس القضايا, وعلينا فهم بأن أي نظام فيدرالي, يجد سبيلاً للتطبيق, لن يجني النظام الفيدرالي فيها, ففي أمريكا, كان هناك طرقا واضحة لليمن حتى ينجح النظام الفيدرالي فيها, ففي أمريكا, كان هناك تخويف دائم في البداية من عدم النجاح بعد الثورة, وأن الولايات الثلاث عشرة سوف تنقسم.
في كتابك, قلت إن اليمن فريد بين بقية دول الربيع العربي أثناء الأزمة.. كيف ترى أن اليمن مازال فريدا الآن بين هذه الدول؟
هذا الموضوع مهم في كتابي, فخلال اتصالاتي مع زملائي في جامعة كامبردج, اقترحت لماذا من الضروري أن يكون هناك كتاب عن اليمن بين دول الربيع العربي, “اليمن فريد بالنسبة لبقية دول الربيع العربي التي تلت تونس ومصر”, وهذا ما قلته, لأنه في بداية 2011م, لم يكن أحد يتصور بإمكانية رحيل قادة تلك الأنظمة ببساطة. صحيح أن التونسيين نجحوا في تغيير نظامهم, وذلك نتيجة لقيام بوعزيزي إحراق نفسه؛ إنما قبل حدوث ذلك, قبل ديسمبر, لم يكن هناك حديث بأن التونسيين سيثورون ضد نظامهم, حتى في مصر, صحيح أن البعض يتحدث عن وجود معارضة؛ لكن الإطاحة بحسني مبارك كانت مفاجأة كبيرة, كذلك في الحالة الليبية لم يتوقع أحد بإطالة معمر القذافي.
أما في اليمن, ومنذ 2009, 2010, كان الناس يتحدثون عن أن علي عبدالله صالح سوف يسقط, ويتحدثون عن ضعف البلاد, بل ذهب أكثر المحللين تطرفا الى أن اليمن ستتحول كما الصومال, ما قلته في مقدمة كتابي, هذا ما يجعل اليمن مختلفا عن بقية الدول الأخرى, الناس بدؤوا يتنبؤون بإطاحة الرئيس صالح, وإمكانية حدوث مواجهات في الداخل.
لذا, من أجل فهم تسلسل الأحداث في اليمن خلال الربيع العربي, علينا فهم أن إرهاصات هذه الثورة تعود الى حركات تمرد واحتجاجات سابقة ل”2011 بسنوات, خصوصا التمرد الحوثي والحراك الجنوبي وإذا قرأت كتابي كاملا, فقد وصفت حركات تمرد في مناطق مختلفة, مقل شبوة ومأرب, إضافة الى نشوء حركات مشابهة للحراك, كما في تهامة.
ويُفترض من القارئ أو الدارس مغرفة أن تلك الظواهر لم تكن موجودة في دول الربيع العربي الأخرى, وهو ما يجعل اليمن مختلفة.
كما أن جوانب الاختلاف في اليمن سعيها للحل عبر الحوار, وفهم أنه يشمل كل الجماعات بينها الحراك والحوثي.
وكنت التقيت المبعوث الأممي جمال بن عمر, وسألته لماذا الثورات في تونس ومصر والدول الأخرى جرت سريعاً, بينما في اليمن تأخرت “إنه أمر بسيط” لرد قائلاً, أن الثورات في دول الربيع العربي قامت باحتجاجات مفاجئة وموحدة؛ وبالتالي كانت الحلول سريعة, فهناك معارضة وهناك نظام سياسي.
بينما في اليمن, الحركة بين السلطة وعناصر من المعارضة اتسم بعضها بالتمرد, صعب ومشتت, أقر بن عمر أن الأمر أكثر تعقيداً في اليمن؛ هناك أشكال عدة من المعارضة, أكثر من احتجاج وأكثر من حراك. وهذا ما أعنيه بتفرد اليمن. كما أعتقد أن تعدد الحركات التمردية والاحتجاجية واختلاف المطالب ساهم في ذلك أيضا, الاهتمام بالحل, عبر الحوار والتفاوض , هو حالة فريدة في المنطقة, وتجربة خاصة, وفي بلدان الربيع العربي الأخرى ليس هناك, حوار, وهذا ما تتفرد به اليمن عنها.
قلت أيضا, في كتابك, إنه يجب علينا أن نستمع إلى أبناء الشعب في مختلف المحافظات عن احتجاجاتهم ومطالبهم, البعض يرى أن اليمنيين لا يعرفون بالتحديد ماذا يناسبهم في النظام الفيدرالي, أو هذا التعارض بين المطالبات, دعنا نتحدث عن الحوار الوطني.. ما توقعاتك الخاصة؟ الى ماذا سيفضي برأيك؟
سيفضي الحوار, كما أعتقد, الى عدة نتائج تختلف عما كان عليه النظام السابق, والفيدرالية هي إحدى الطرق للانتقال الى نظام برلماني, وبدلاً من النظام الرئاسي, القائم على القائد الأوحد, سيكون هناك تمثيل إقليمي كما سيكون هناك توجه أكبر نحو ترك إدارة الموارد للحكومات المحلية, بدلا من هيمنة وزارة المالية والحكومة المركزية, كما اعتقد أن النظام الانتخابي بعد الحوار سوف يتغير, وعلى العموم, لست على إطلاع تام بما سيتمخض عن اللجان الخمس أو الست لمؤتمر الحوار (يقصد العمل التسع في مؤتمر الحوار) التي تعمل في قضايا مختلفة, إلا أنني أعتقد أنه سيكون من الخطأ إذا ما كان هناك تسرع نحو حلول ثابتة, الأفضل التمهل وإيجاد مراحل للتغيير والتطور, كما يجب عدم استثناء الحوثي والحراك الجنوبي من النتائج التي سيخرج بها الحوار, بل ربما سيكون هذا هو الأولوية للسنوات الانتقالية الأربع.
بالنسبة للجزء الثاني من سؤالك, أن اليمنيين لا يعرفون ما هو الأفضل لهم, هناك العديد من ذوي الثقافة والتأهيل العالي, في شماله وجنوبه وشرقه وغربه, ما يجب القيام به, خصوصاً بداية الفترة الانتقالية, الاستعداد لتشكيل حكومة تكنوقراط, تتيح المجال لذوي التأهيل الجيد والعالي, وهم كثر في عدن وحضرموت, خصوصاً تعز, التي تزخر بالكثير من ذوي التأهيل العالي, كما أن هناك أشخاصاً مؤهلين في تهامة وأجزاء أخرى من البلاد, عموما, أنا لا أتفق مع فكرة أن اليمنيين لا يعرفون ما هو الأفضل لهم, ولا أظن أن من العدل في حق اليمنيين وصفهم بذلك.
أليس هناك بعض النقص في الخبرات لدى اليمنيين في المجالات الإدارية؟
لكن هناك الكثير من ذوي الخبرة الإدارية, والمسألة الأكثر أهمية هي الشفافية المالية, مثلاً, عرفت الكثير من عدن, في فترة ما قبل الوحدة, ممن لديهم المعرفة بالنظام البريطاني للإدارة المالية, وكانوا قد تدربوا عليه منذ الاستعمار البريطاني. وظل ذلك النظام معمولاً به في عدن, ولم يكن هناك أي تأثير للنظام السوفيتي كما كان شائعا وما حصل, حسب ما أوضح لي الدكتور عبد العزيز طرموم, من جامعة صنعاء, أنه بعد الوحدة تم إلغاء النظام المالي والمحاسبي الذي كان معمولا به في الجنوب, والعمل بالنظام المعمول به في الشمال, وبالتالي لم تعد هناك رقابة جيدة على النظام المحاسبي, وكان من المفترض تمكين ذوي الخبرة ونقل خبرتهم الى غيرهم في بقية المحافظات.
هناك معوقات تثيرها النفوذ السياسية والقبلية المستفيدون من الوضع الذي يصغونه حسب مصالحهم..؟
لا بد أن يسير الحل ببطء إذ في البداية يجب إشراك قيادات المجموعات القبلية, وإتاحة المجال لمن يقفون في صف التنمية وإرساء النظام والقانون وأنا لا أظن أن القبائل والنظام القبلي تقف حجرة عثرة أمام عملية النمو بصورة فعلية, ومن الممكن تخطي هذه المشكلة.
فيما يتعلق بحكومة التكنوقراط…
(مقاطعا) ذكرت حكومة التكنوقراط فقط في سياق الحديث عن الفترة الانتقالية لأربع أو خمس سنوات, ولم أقصد أن تكون هناك حكومة تكنوقراط دائمة؛ لأن الأمر سيفشل في اليمن, كما أن تقسيم الحكومة بين الأحزاب الكبيرة هو من الأخطاء الفادحة, خصوصاً في النظام الانتخابي, يجب أن تؤخذ المصلحة العليا البلد في الاعتبار, وعلى اليمنيين أن يجربوا أسلوبا جديدا في تقبل الآخر, واختبار الأفضل, من أجل مصلحتهم ومصلحة بلدهم, ولذلك من الأفضل, في الفترة الانتقالية, أن يكون الاختيار على أساس تكنوقراطي.
حول علاقات اليمن بالولايات المتحدة.. في رأيك. ما مدى أهمية اليمن بالنسبة لواشنطن؟ وكيف أن مصالح الولايات المتحدة ستتأثر في حالة انهيار اليمن؟ وماذا عن السفير الأمريكي وتصريحاته أثناء الأزمة التي تعكس أن للولايات المتحدة سلطة على اليمن؟
اعتقد أن هذا الانطباع خاطئ, فالولايات المتحدة ليست لها أي سلطة على اليمن, ويمكنني لقول أن هذه فترة غير اعتيادية بالنسبة للعلاقات الأمريكية اليمنية, ربما يتعلق الأمر بالجانب الأمني, منذ أحداث 11 سبتمبر, وما قبلها من أحداث كتفجير البارجة كول وغيرها, حيث أصبحت اليمن ذات أهمية أمنية, وزاد التركيز على القضايا الأمنية حد عدم مراعاة مشاعر اليمنيين, على أمريكا أن تضع حيزاً أوسع للمسألة الاقتصادية والجانب الاجتماعي في علاقتها مع اليمن.
خلال زيارتي, تفاجأت بأن موقف الناس فيما يتعلق بالسفير الأمريكي وتصريحاته, بينهم أصحاب مناصب حكومية, فيا لبداية ربما لم يكن السيد فايرستاين على معرفة بالبلاد وشعبه, ولم يفهمه جيدا, لكنه الآن عرف الكثير عن اليمن واكتسب مهارات أكثر كدبلوماسي…
عذراً لمقاطعتك, لكن بالنسبة للطائرات الأمريكية التي تشن الغارات داخل الأراضي اليمنية وتسببت في مواقف سلبية تجاه الولايات المتحدة؟
نعم, إلا أن الرأي العام الأمريكي لا يتفق مع ذلك, ومعظم الأمريكيين يتعاطفون مع الشعب اليمني, وأدى ذلك بالبعض الى توجيه انتقادات بشأن هذه السياسة, ورأى أن على الولايات المتحدة التوقف عن القيام بمثل هذه الغارات.
وبالنسبة للسفير وتصريحاته وتعليقاته, فأنا لست مقيما في اليمن في هذه الفترة, ولا أعلم ما يدور بتفصيل كبير حول السفير الأمريكي.
الولايات الثلاثة عشر, وهي الولايات التي سبقت بقية الولايات الأمريكية الأخرى في الاستقلال الرسمي عن الاستعمار البريطاني, بيومين, حيث تم الإعلان عنها في 2 يوليو, وفي 4 يوليو تم إعلان استقلال كافة الولايات الأمريكية.
وتم اعتبار 4 يوليو هو عيد الاستقلال عن بريطانية العظمى, وكان هناك تخوف بأن تعلن تلك الولايات دولة مستقلة عن بقية الولايات الأمريكية.

زر الذهاب إلى الأعلى